هل الله واحد أم ثلاثة؟

حين تركت الإسلام وصرت مسيحيا اتصل بي أحد الأصدقاء المسلمين وقال لي: كيف تحولت من دين التوحيد إلى دين الشرك؟

قلت له: المسيحية تعلم التوحيد وتحرم الشرك. المسيحية ليست دين شرك كما تعتقد.

ضحك صديقي وقال: أنتم تعبدون ثلاثة آلهة ومع ذلك تدعي أن المسيحية دين توحيد؟

قلت له: نحن لا نعبد ثلاثة آلهة بل نعبد الله الواحد، فالكتاب المقدس مكتوب قبل القرآن بمئات السنين وفيه نجد: "اِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (تثنية ٦ آية ٤). هذه الآية وجدت في توراة موسى،  وفي الإنجيل أيضا أكد السيد المسيح نفس القول: "إِنَّ أَوَّلَ كُلِّ الْوَصَايَا هِيَ: اسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ. الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ" (إنجيل مرقس ١٢ آية ٢٩). فالتوحيد هو أولى الوصايا المسيحية.

لم يقتنع صديقي بكلامي فكرر نفس الكلام: لكنكم تعبدون ثلاثة آلهة!

حينها أجبته: لا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس تقول للمسيحيين اعبدوا ثلاثة آلهة، بل كل الوصايا تؤكد على وحدانية الله، إنما القرآن الذي فهم فكر المسيحيين خطأ واتهمهم بالخطأ أنهم يعبدون ثلاثة آلهة، حيث يقول: " لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ" (المائدة ٧٣). ويقول في سورة أخرى "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ" (النساء ١٧١). فالقرآن يعتقد خطأ أن المسيحيين يؤمنون بثالوث غريب: وهو أن الله تزوج مريم وولد المسيح بينما المسيحية الرسمية لم تعلم هذا التعليم على الإطلاق عبر تاريخها ولا توجد آية واحدة في الكتاب المقدس كله تعلم هذا الأمر. يقول القرآن في هذا السياق:" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ" (المائدة ١١٦). الاعتقاد القرآني في هذه الآية هو أن المسيحيين يعبدون الله مع إلهين آخرين وهما مريم والمسيح، وهذا ادعاء باطل في حق المسيحية، المسيحيون لا يعبدون ثالوث : الله، مريم، المسيح.

هل الآب والإبن والروح القدس ثلاثة آلهة؟

هنا تدخل صديقي وقال: لكنكم تعبدون الآب والإبن والروح القدس.

 قلت له: نعم، ولكن هذا الثالوث لا يتحدث عنه القرآن على الإطلاق إنما القرآن ينتقد ثالوث: الله، والصاحبة (مريم)، والولد (المسيح)، حيث يقول: "بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ" (الأنعام ١٠١). وهذا الثالوث لا وجود له في المسيحية منذ بدايتها إلى اليوم.  

هنا قال صديقي: لكنكم تؤمنون بثالوث الآب والإبن والروح القدس، وهذا يكفي لجعلكم مشركين.

هنا قلت له: الإيمان بأن الله واحد لا يتعارض مع وصفه بأنه آب وابن وروح قدس، فهذه لا تلغي أنه واحد، لأن المسيحيين لم يقوموا بعبادة ثلاثة آلهة إنما الله الواحد الذي هو: آب وابن وروح قدس.

اعترض صديقي المسلم على كلامي وقال لي: أتحداك أن تخرج من الإنجيل آية واحدة فيها كلمة ثالوث.

 قلت له: أنا لا أحب لغة التحدي لكني سأستخدمها فقط للحجة: وأنا أتحداك أن تخرج لي من القرآن آية واحدة فيها كلمة توحيد.

توقف صديقي قليلا عن الكلام ثم استرجع أنفاسه قائلا: لكن مفهوم التوحيد موجود في الآيات القرآنية مثل قوله تعالى: قل هو الله أحد (سورة الإخلاص آية ١).

قلت له: كلامك صحيح، كلمة توحيد غير موجودة في القرآن لكن آيات القرآن تحمل هذا المفهوم، وبنفس المقياس كلمة ثالوث غير موجودة لكن آيات الإنجيل تحمل هذا المفهوم مثل حينما قال السيد المسيح: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ" (إنجيل متى ٢٨ الآية ١٩). فالتوحيد صياغة فقهية صاغها الفقهاء للدلالة على حقيقة معينة موجودة في القرآن، والثالوث كلمة لاهوتية استخدمها علماء اللاهوت للدلالة على حقيقة إنجيلية، وللأمانة فإن كلمة ثالوث العربية ترجمة غير دقيقة للكلمة الأصلية التي استخدمها علماء اللاهوت Triunity فهي تتكون من كلمتين: وحدانية وثالوث، يعني الوحدانية المثلثة، فالمسيحيون يؤمنون بإله واحد لكنه إله جامع أيضا، الله الواحد الجامع. وبتعبير أدق المسيحيون يؤمنون بوحدانية جامعة تجمع الله، وكلمته (المسيح) وروحه (الروح القدس) فهل من العيب أن يقول المسيحيون أننا نعبد الله وكلمته وروحه كإله واحد كامل؟

هنا قال صديقي: لكن كيف تقول عن الله أنه ثالوث: الله وكلمته وروحه؟ هذا أيضا لا يجوز في حق الله، هذا أيضا شرك.

ثالوث إسلامي وثالوث مسيحي:

سألت صديقي: مادليلك على أنه شرك؟ هل تعلم أن هناك في الإسلام تعليم مماثل لهذا؟

قال لي: أين؟

قلت له:  في الإسلام هناك ثالوث إسلامي، الله وذاته ونفسه، فالقرآن مثلا يقول على لسان عيسى مخاطبا الله: "تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ" (المائدة ١١٦). وهذا دليل على أن لله نفس، بل حتى الحديث القدسي يقول على لسان الله "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي" (صحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى ويحذركم الله نفسه). فالله له صفة النفس، وله أيضا صفة الذات بحسب الحديث الذي يقول: "لم يكذب إبراهيم النبي عليه السلام قط إلا ثلاث كذبات ثنتين في ذات الله" (صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب فضائل إبراهيم الخليل). ويجمع أهل السنة أن لله صفة الذات وصفة النفس، فهل يمكنني اعتبار المسلمين مشركين إذا قالوا أنهم يعبدون الله وذاته ونفسه؟ وهل يمكنني اعتبار المسلمين يعبدون ثلاثة آلهة إذا قالوا بأنهم يعبدون الله وذات الله ونفس الله؟ إذا كان المسلمون يعتبرون أنفسهم موحدين رغم اعتقادهم بأن لله ذاتا ونفسا فإن المسيحيين أيضا يحق لهم أن يعتبروا أنفسهم موحدين رغم اعتقادهم أن لله كلمة وروح، فهذا لا يجعل الله ثلاثة آلهة، بل يجعله إلها واحدا جامعا لثلاث صفات ذاتية.

هنا اعترض صديقي المسلم وقال لي: هذه لا تشبه تلك. قلت له حينها: هل يمكنك أن تشرح لي الفرق؟ قال لي نحن لا نصف الله إلا بما وصف به نفسه أو أخبرنا عنه رسوله، فليس نحن من نسب لله هذه الصفات بل هو من أخبرنا عنها.

حينها قلت له: ونحن نفس الشيء، المسيحيون لم يخترعوا الثالوث، بل لخصوا فقط ما أعلن لهم المسيح عن نفسه  في الإنجيل ، فالمسيح هو من أعلن لهم أن الله آب وابن وروح قدس، أي الله وكلمته وروحه. والمسيحيون قبلوا ما قاله المسيح لهم ولم يروا فيه أي تعارض مع كون الله واحد. لم يفكر المسيحيون في اختراع عقيدة جديدة وإدخالها للمسيحية بل قاموا فقط بتلخيص ما علمه المسيح إياهم في مرات عديدة.

انتهت المكالمة مع صديقي دون أن أرى تنازلا منه أو إقرار بصحة ما قلته له، وأنا أعتقد أن ذلك ما يفعله الناس عادة لأن الاعتراف بالخطأ صعب على الإنسان، لكني متأكد أن كلماتي كان لها صدى عنده، وأنه في المرة القادمة لن يستطيع أن يرمي المسيحيين بتهمة الشرك بكل سهولة كما فعل معي في البداية، لأنه من السهل أن نرمي الناس بالتهم حين نكون غير ملمين بمعتقداتهم.

المسيحيون ليسوا مشركين بل موحدين يؤمنون بالإله الواحد ذو الكلمة والروح. الآب والإبن والروح القدس الإله الواحد آمين.