هل يؤمن المسلمون بكل الأنبياء؟

الكثير من المسلمين يرددون هذه المقولة حتى صارت مشهورة ومتداولة بين الناس بكثرة وكأنها دليل على صحة الإسلام وخطأ المسيحية وغيرها من الأديان، المقولة تقول على لسان المسلمين:

"نحن نؤمن بكل الأنبياء، نؤمن بموسى وعيسى ومحمد، فإذا كان اليهود على صواب فنحن معهم، وإذا كان المسيحيون على صواب فنحن معهم، وإذا كان المسلمون على صواب فسيدخلون الجنة ولن يدخل معهم لا اليهود ولا النصارى لأنهم أنكروا نبوة محمد."

المشكلة في هذا الكلام أنه كلام غير علمي وغير حقيقي، ما هو الإيمان؟ كيف نقول أننا نؤمن بموسى مثلا وفي نفس الوقت نقول أن توراته قد حرفت؟ كيف نؤمن بالمسيح وفي نفس الوقت نقول أنه ليس كما وُصف في الإنجيل، أنه ليس صورة الله وأنه لم يمت ولم يقم من بين الأموات؟

خطأ المقولة بناء على نقطتين:

أولا : الإيمان ليس بالكم بل بالكيف، يعني أنه ليس كل من يؤمن بأكبر كم من الشخصيات سيحصل على مزايا أتباع تلك الشخصيات.

لو كان الأمر كذلك سأقول أن الأحمدية أحسن من الإسلام نفسه: لأنهم يؤمنون ببوذا، وموسى، وعيسى، ومحمد، وميرزا غلام أحمد. فإن كان البوذيون على حق نجا معهم الأحمديون، وإن كان اليهود على حق نفس الشيء، وإن كان المسيحيون على حق سيحصلون على الخلاص معهم، وإن كان المسلمون على حق سيدخلون الجنة معهم، وإن كان ميرزا غلام أحمد على حق لن يدخل لا البوذيون ولا اليهود ولا النصارى، ولا المسلمون. وبالتالي الأحمديون هم الفرقة الرابحة لأنهم يؤمنون بأكبر عدد من الشخصيات الدينية. فهل سيقبل المسلم هذا المنطق؟  وإذا جاءت ديانة أخرى بعد الأحمدية وآمنت بشخص جديد بالإضافة إلى كل القائمة التي يؤمن بها الأحمدية ستكون هي الأفضل لو اعتمدنا نفس المقياس أعلاه، ولن تنتهي القصة ستظل مستمرة إلى ما لانهاية والرابح دائما هو آخر الأديان.

ثانيا: الإيمان لا يعني مجرد الاعتقاد بوجود شخص أو ببعض صفاته، بل الإيمان به كما جاء في الكتب التي حوت تعاليمه والأقرب زمنيا إليه. بمعنى أنني إذا قلت بأني أومن بموسى وأنكرت تعاليمه كما جاءت في التوراة التي نعرفها وادعيت أنها تحرفت فأنا في الحقيقة لا أومن بموسى بل أومن بنسخة مشوهة عن موسى. وإذا قلت أنني أومن بعيسى وأنكرت ما جاء عنه في الأناجيل وهي الأقرب تاريخيا إليه وهي التي حوت تعاليمه، فإنني في الحقيقة لا أومن بعيسى بل أومن بنسخة مشوهة من عيسى الأصلي. وإذا قلت أنني أومن بمحمد ثم لم أومن بما جاء عنه في القرآن والأحاديث، فإنني في الحقيقة لا أومن بمحمد إنما بنسخة مشوهة منه. فلكي يقول شخص أنه يؤمن بالمسيح عليه أن يؤمن به كما جاء في الإنجيل لا كما جاء في غيره من الكتب، ولكي يؤمن شخص بمحمد عليه أن يؤمن به كما جاء في القرآن والحديث لا كما جاء في كتب متأخرة. فإذا كان المسلم يدعي أنه يؤمن بالمسيح رغم تكذيبه لما جاء عنه في الإنجيل فإني أسأله: هل ستقبل أن أصحاب الطائفة الأحمدية مؤمنون بمحمد وهم يعلمون أن ميرزا غلام أحمد نبي أتى من بعد محمد وأتى بكتب أخرى غير القرآن وأتى مكملا للإسلام؟ سيقول المسلم الأحمدية غير مؤمنين بمحمد لأنهم لا يؤمنون أنه خاتم الأنبياء، ولأنهم يضيفون كلاما آخر للقرآن ويعتبرونه من عند الله. حينها سأقول أن الشيء نفسه ينطبق على المسلمين الذين يرددون المقولة أعلاه: فالمسلمون غير مؤمنين بالمسيح لأنهم لا يعتبرونه هو الخاتم هو الألف والياء، هو البداية والنهاية، ولأنهم أيضا يضيفون القرآن إلى ما جاء به المسيح ويعتبرونه كلام الله رغم أنه يناقض ماجاء في الأناجيل. ويكذبون حادثة الصلب وحادثة القيامة ويكذبون ألوهية المسيح، فكيف يكونون مؤمنين بالمسيح وهم ينكرون أهم ما جاء به في إنجيله؟ سيقول المسلم: نحن نؤمن بما جاء به المسيح في الإنجيل الأصلي الذي اختفى وتحرف. سأقول له بإمكان الأحمدية أو أي طائفة أخرى أن تدعي نفس الشيء بخصوص محمد، أنهم يؤمنون به كما جاء في القرآن الأصلي الذي أحرقه عثمان وتحرف، ربما كان محمد في ذلك القرآن ليس هو خاتم الأنبياء. فهل هذا سيعتبر حجة؟ طبعا لا، فكل من يقول أنه يؤمن بمحمد وينتقص أي صفة من صفاته التي جاءت في القرآن أو الحديث فهو في الحقيقة غير مؤمن بمحمد، وكذلك كل من يقول أنه يؤمن بالمسيح وينتقص أي صفة من صفاته التي جاءت في الأناجيل فهو في الحقيقة غير مؤمن بالمسيح.

  • المسيح قال عن نفسه: أَنَا هُوَ الأَلِفُ وَالْيَاءُ، الْبِدَايَةُ وَالنِّهَايَةُ (رؤيا ١ آية ٨)، والمسلمون يعتبرون محمدا رسول أتى من بعد المسيح، وبالتالي فهم يكذبون المسيح.

  • المسيح قال عن نفسه: اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ (إنجيل يوحنا ١٤ آية ٩)، والمسلمون يعتبرون المسيح مجرد بشر، ينكرون ألوهيته، وبالتالي يكذبون ما قاله عن نفسه.

  • المسيح قال: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ، وَفِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ (إنجيل لوقا ٢٤ آية ٧)، بينما المسلمون يعتبرون أن المسيح لم يصلب: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ (النساء ١٥٧)، وبالتالي فهم يكذبون ما قاله المسيح عن نفسه.

  • المسيح قال: اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ (إنجيل متى ٢٤ آية ٣٥)، والمسلمون يعتبرون الإنجيل قد تعرض للتحريف، وبالتالي فهم يكذبون ما قاله المسيح عن نفسه.

الخلاصة هي أن المسلمين في الحقيقة لا يؤمنون بالمسيح بل يؤمنون بنسخة مختلفة عن المسيح الأصلي الذي ذكرته الأناجيل وهي الأقرب إليه تاريخيا وجغرافيا وكتبت بواسطة تلاميذه، لا يمكن أن نعتبر النسخة الإسلامية عن المسيح إيمانا حقيقيا بالمسيح. الإيمان الحقيقي بالمسيح هو الإيمان بكلامه كما نقله عنه تلاميذه، وكل من لا يؤمن بالأناجيل لا يعتبر مؤمنا بالمسيح حتى لو اعترف بوجوده تاريخيا وبمعجزاته وبعظمته، فالانتقاص من المسيح في صفة واحدة من صفاته يعتبر انتقاصا منه في باقي الصفات ويعد عدم إيمان به، فإما أن يكون الإيمان كاملا أو لا يكون.