هل صلب المسيح أم شُبه لهم؟

اتفاق في الصلب اختلاف في المصلوب

يتفق المسلمون والمسيحيون على حادثة الصلب أنها وقعت، وأن هناك شخص علق على الصليب وأنه مات، وأن أحداث الصلب حقيقية، ولكن يختلف الاثنان في شخصية المصلوب من يكون، فالمسيحيون يقولون أن المصلوب هو يسوع المسيح الناصري ابن مريم، بينما المسلمون يقولون أنه شخص يشبهه ولكن ليس هو، ومرد هذا الاختلاف يعود إلى الآيات القرآنية التي تقول:

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (سورة النساء الآيات ١٥٧ و ١٥٨).

إذن السؤال العادل بين الاثنين هو كيف يثبت المسيحيون أن المصلوب كان هو المسيح؟ وكيف يثبت المسلمون أن المصلوب كان شخصا آخر غير المسيح؟

أدلة المسيحية

المسيحيون يقولون أن الأناجيل تشكل شهادة حية على ما حصل، لأنها كتبت من طرف أربعة أشخاص كانوا شهود عيان أو كتبوا تحت إرشاد من كانوا شهود عيان، فيوحنا تلميذ للمسيح وكان شاهد عيان، وكذلك متى، أما مرقس فقد كتب تحت إشراف تلميذ المسيح بطرس، ولوقا المؤرخ كتب بناء على شهادة القديسة مريم التي أعطته حتى تفاصيل الأحداث التي رافقت الحمل والولادة. الأناجيل كتبت في القرن الأول للميلاد فهي قريبة زمنيا من حدث الصلب، وكتبت في فلسطين قريبة جغرافيا من حدث الصلب.

أدلة الإسلام

المسلمون يعتمدون على القرآن وهو وثيقة وحيدة وليس أربع وثائق مثل الأربع أناجيل، والقرآن لم يكتب من طرف شاهد عيان ولا من طرف شخص كتب تحت إشراف من كان شاهد عيان. سيقول شخص معترض: لقد أوحاه الله. هذا ليس جوابا، هذا مجرد إيمان. نحن نتحدث بعيدا عن الإيمان  نتحدث عن وثائق مكتوبة، وكأنها مقدمة لمحكمة لا تؤمن بالوحي بل تفحص الوثائق ومن كتبها وفي أي وقت كتبت وفي أي مكان كتبت فقط. فالقرآن ليس وثيقة صادرة عن شهود، محمد لم يكن من ضمن الشهود، والوثيقة بعيدة زمنيا عن الحادث حيث تفصلها عنه على الأقل ست قرون، وبعيدة جغرافيا عن الحادث حيث أنها كتبت في شبه الجزيرة العربية بعيدا عن فلسطين على الأقل 1200 كلم وهي مسافة ليست بالهينة.

السؤال هنا: هل نصدق  أربع وثائق أم وثيقة واحدة؟ هل نصدق وثائق كتبت من طرف شهود عيان أم وثيقة لم تكتب من طرف شهود عيان؟ هل نصدق وثائق قريبة زمنيا وجغرافيا من الحادث أم وثائق بعيدة زمنيا وجغرافيا من الحادث؟

خمس أسئلة تحدد التفاصيل

الأناجيل الأربعة تجيب على الخمس أسئلة التي هي العمود الفقري لأي خبر وإلا لا يعد خبرا على الإطلاق، هذه الأسئلة هي: من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟

من؟ يسوع الناصري الذي يلقب بالمسيح.

ماذا؟ تم القبض عليه ومحاكمته ثم جلده وصلبه ودفنه.

متى؟ تم ذلك يوم الجمعة والسبت كان عيد فصح عند اليهود ودفن قبل مغرب الشمس يوم الجمعة.

أين؟ تم القبض عليه في بستان عند جبل الزيتون، وتمت المحاكمات في بيت رئيس الكهنة قيافا وأمام المجمع وتم اقتياده إلى قصر بيلاطس الذي أصدر الحكم، واقتيد أيضا إلى هيرودس الذي أرجعه لبيلاطس وبعد ذلك تم صلبه في مكان يسمى الجلجثة بين لصين ودفن في بستان قريب وكل هذا حصل في مدينة القدس.

لماذا؟ لأن اليهود اعتبروه مجدفا، والرومان أحبوا إرضاء اليهود وإخماد الفتنة. كل هذه التفاصيل مذكورة بتدقيق أكثر في الأناجيل الأربعة وبعضها يؤكد البعض أو يفسره أكثر.

القرآن بالمقابل نطرح عليه نفس الخمس أسئلة إذا كان قد قال بأن المصلوب هو شبيه المسيح: من؟ ماذا؟ متى؟ أين؟ لماذا؟

نبدأ بمن؟ من الشبيه؟ لا يعطينا القرآن أي جواب، لا نعرف من يكون هذا الشبيه، فهو يشبه المسيح في وجهه وفي ملامحه ولكنه ليس المسيح، ولذلك حار المفسرون المسلمون واعطوا روايات كثيرة في الموضوع وفي الأخير قالوا الله أعلم، لأنهم في الحقيقة لا يعلمون من هو الشبيه وكل تكهناتهم هي تخمينات فقط.

ماذا حصل؟ لا ندري بالتفصيل ماذا حصل كل ما نعلم أن عملية إلقاء الشبه قد حصلت ولا يخبرنا القرآن أي تفاصيل، ولذلك يعتبر الجواب مبهما.

متى؟ متى حصل إلقاء الشبه؟ هل حين تم القبض على المسيح أم أثناء المحاكمة؟ أم حين علق على الصليب؟ أم حين حصلت الظلمة؟ أم حين أنزلوه من على الصليب؟ أم قبل كل هذا بأيام؟ لا ندري، القرآن أيضا لا يعطي أي جواب ويترك المفسرين للتكهنات.

أين؟ أين حصلت عملية إلقاء الشبه؟ هل في البستان؟ هل في القدس؟ في مدينة أخرى؟ في قصر بيلاطس؟ أثناء المحاكمة في بيت قيافا؟ لا يعطينا القرآن أي تفاصيل عن هذا الأمر.

لماذا؟ لماذا حصلت عملية إلقاء الشبه؟ لا ندري السبب، لأن القرآن لا يقول، فإذا قال البعض تخمينا أن ذلك حصل لينقذ الله المسيح، فقد كان بإمكانه إنقاذه دون اللجوء لذلك، كان بإمكانه رفعه أمامهم وهم ينظرون، وبالتالي لا يوجد سبب مقنع لإلقاء الشبه على شخص آخر، وقد يكون هذا الشخص مظلوما في الأمر.

إذن نحن أمام عجز تام عن تقديم إجابات على الأسئلة الخمس.

السؤال المهم هنا: هل ستقبل المحكمة شهادة أشخاص يذكرون كل التفاصيل أم شهادة شخص يقدم شهادة مبهمة لا تجيب على أي سؤال من الأسئلة الخمسة؟ هل علينا أن نصدق القرآن رغم أنه لا يعرف تفاصيل القصة؟ ما هي القصة البديلة لما حصل في الأناجيل؟ لا توجد قصة بديلة لأن عناصرها الأساسية غير موجودة. هذا خبر لا تنشره أي جريدة محترمة ولا يدرجه أي صحفي مبتدئ، فكيف يكتبه الله نفسه؟

الأدلة الإضافية

المسيحيون ليسوا وحدهم من تحدث عن صلب المسيح بل توجد وثائق تاريخية أخرى خارج الأناجيل تؤكد عملية الصلب، بينما لا توجد وثائق تاريخية تثبت عملية إلقاء الشبه.

من بين هذه الوثائق على سبيل المثال: شهادة فلافيوس يوسيفوس (٣٧-١٠٠م) وهو مؤرخ يهودي ذكر في كتبه السيد المسيح ووصفه بأنه (رجل حكيم) و أنه حكم عليه بالصلب. شهادة لوسيان الساموساطي (١٥٠-٢٠٠م) ذكر عن المسيحيين بأنهم يعبدون رجلاً حكيماً مصلوباً.كرنيليوس تاسيتوس (عاش حوالي ٥٥-١٢٠م) تحدث في كتاباته عن أشخاص يدعون مسيحيين و يذكر أيضا أن المسيح قتل في عهد بيلاطس البنطي.

السؤال الأخير

من نصدق إذن من ادعى أن المسيح شبه لهم دون أي أدلة، أم من أثبت أن المسيح صلب بالتفاصيل والأدلة؟