أعزائي الباحثين،
إن أقنوم الإبن، أي ربنا يسوع المسيح، هو الأقنوم الإلهي الذي يقوم بتنفيذ المشيئة الإلهية عمليا ً، ولكن ليس بمعزل عن أقنوم الآب وأقنوم الروح القدس، وإنما بإنسجام كامل وحكمة تفوق جداً كل تصور، لأن الأقانيم متساوية في السمو والمجد على رغم تمايزها في الصفات والعمل. فالله واحد أحد، وأقانيمه الثلاثة متساوية تماماً بحيث لا توجد مفاضلة لاي أقنوم على الأقنومين الآخرين. إلا أن لكل أقنوم إلهي عمل خاص يقوم به ضمن الوحدة الإلهية التي لا تتجزأ، لتنفيذ عمل معين كالخلق أو الفداء، بحيث تكون النتيجة أن الله الواحد هو الذي قام بالعمل. فالكتاب المقدس يخبرنا أن الله هو فادي البشر. وهذا يعني أن أقنوم الآب هو الفادي وأقنوم الإبن هو الفادي وأقنوم الروح القدس هو الفادي، بغض النظر عما فعله كل أقنوم ضمن إختصاصه لتحقيق الفداء.
لقد خلق الله العالم كما نقرأ في الإصحاح الأول من سفر التكوين. إلا أننا إبتداءً من الإصحاح الثاني لا نعود نقرأ عن الله، بل عن الرب الإله -أي الرب يسوع- وذلك لأن هذا الإصحاح يتحدث عن التنفيذ العملي للخلق. فالمسيح الذي هو أقنوم الإبن هو الذي بيديه جبل الإنسان من التراب ونفخ فيه نسمة الحياة وأنبت كل شجر البرية وصنع حيوانات البر والبحر والجو إلخ إلخ.
والإنجيل يقول عنه "في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله ... كل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يوحنا١: ١-٣). والرسول بولس يقول "وأنير الجميع في ما هو شركة السر المكتوم منذ الدهور في الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (رسالة أفسس ٣: ٩). ويقول أيضاً عن المسيح كإبن محبة الله "الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة -أي الذي ابدأ كل خليقة- فإنه فيه خلق الكل ما في السموات وما على الأرض ... الكل به وله قد خلق" (رسالة كولوسي ١: ١٥و١٦).
وهكذا بالنسبة للفداء. فإن الله -أقنوم الآب- أحب العالم أي الناس الذين خلقهم على صورته كشبهه. وأراد أن يفديهم من الهلاك في جهنم النار، فكانت النتيجة أنه تجسد أقنوم الإبن في أحشاء العذراء المباركة مريم ليتمم هذا العمل المبارك بموته على الصليب، "ولكن الله بين محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رسالة رومية ٥:٨). وعلى أساس قبول عمله على الصليب سكن في قلوبنا الروح القدس بالإيمان " ثم بما أنكم أبناء، أرسل الله روح إبنه إلى قلوبكم ..." (رسالة غلاطية ٤: ٦).
لقد أظهر الله نفسه مراراً كثيرة في العهد القديم (أي كتب الأنبياء قبل المسيح). إلا أن الإنجيل يقول "الله لم يره أحد قط. الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر" (يوحنا ١: ١٨). فالله غير المحدود لا يمكن لإنسان أن يراه لأن الإنسان محدود ولا يمكنه إستيعاب غير المحدود. فمن هو الذي ظهر إذا بإسم الله؟ الآية السابقة تقول "الإبن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبر". فالذي ظهر لموسى في العليقة التي كانت تتوقد بالنار ولا تحترق هو المسيح يسوع أقنوم الإبن (أنظر سفر الخروج ٣). ومن ظهر لإبرهيم عند بلوطات ممرا هو أقنوم الإبن ربنا يسوع (أنظر سفر التكوين ٨). وهكذا.
فالمسيح يسوع كأقنوم الإبن في إطار الوحدة الإلهية هو صاحب الإختصاص في العمل المباشر مع الخليقة. لذلك هو الذي خلق عملياً العالم وما فيه، وهو الذي كان يظهر للناس ويكلمهم في العهد القديم، وهو الذي تجسد لتحقيق فداء البشر بالموت على الصليب. ولكن كل ما فعله المسيح لم يكن بالإستقلال عن باقي الأقانيم، إنما بإنسجام كامل لتحقيق المشروع المعين للإله الواحد.
نرجو أن تكون الفكرة قد أصبحت واضحة، كما أننا نصلي لكي تكون عزيزي القارىء قد إختبرت الفداء الإلهي لنفسك عن طريق الإيمان بالرب يسوع المسيح كمن هو، أي الرب الإله الذي تجسد في العالم ليدفع أجرة خطاياك بموته على الصليب، وقام ليمنحك التبرير أمامه فتتمتع معه بالمجد إلى الأبد، له المجد والعظمة والسلطان إلى أبد الآبدين. آمين.