ماذا يحدث لو سمحنا لطبيعتنا الخاطئة ان تتحكم فينا؟

 ماذا يحدث لو سمحنا لطبيعتنا الخاطئة ان تتحكم فينا؟

 
أعزائي الباحثين،
 

تعلمنا كلمة الله أن الإنسان الطبيعي، أي غير المؤمن، هو ميت في الذنوب والخطايا روحيا ً أمام الله بحيث لا يمكنه إقامة علاقة مودة أو شركة معه بأي شكل من الأشكال، إلا في حال التوبة والإيمان بالرب يسوع المسيح كمخلصه الشخصي من الخطية. فكل إنسان يضم بين حناياه (اي دواخله) طبيعة فاسدة ورثها عن أبيه آدم، لا يمكن اصلاحها او تهذيبها على الإطلاق، لأن الحكم الإلهي الصادر بحقها هو الموت ولا شيء غير ذلك.

وعندما يأتي الانسان بصدق الى الله معترفا بخطاياه واستحقاقه للموت، ويتخذ المسيح فاديا ً له بالإيمان، يسكب الله روحه القدوس في ذلك الشخص، ما يعني حصوله على طبيعة جديدة لم تكن فيه سابقا ً. والطبيعة الجديدة هذه لا تلغي الطبيعة القديمة الفاسدة. لذلك يجب على المؤمن أن يهتم كيف ينمي فيه الطبيعة الجديدة الروحية، من خلال الصلاة والتغذي بكلمة الله، والخضوع لها بمعونة الروح القدس الذي فيه، في الوقت الذي يجتهد لإبقاء حكم الموت ساريا ً على طبيعته القديمة، بحيث يرفض الإنصياع لشهواتها ورغباتها، لأنها لا يمكن أن تشتهي شيئا ً صالحا ً.

ولكن يحدث أن المؤمن يضعف روحيا ً لظروف معينة أو تجارب خبيثة من الشيطان، فيبتعد عن قراءة الكلمة ويهمل الصلاة، فتبدأ طبيعته القديمة في إبراز نفسها مجددا ً، ويبدأ المؤمن يفقد شيئا ً فشيئا ً قوته الروحية وسلامه الداخلي وشهادته الخارجية وفرحه، كما أنه يصبح متساهلا ً تجاه الخطية والشر وأمور الجسد والعالم غير المرضية أمام الله. الا أنه في حال أدرك هذا المؤمن وضعه الشاذ وإنتبه الى رداءة الحالة التي وصل اليها روحيا، ولجأ الى الله بالتوبة طالبا منه العون للتخلص مما يعانيه، فإن الله بأمانته وبسبب شفاعة المسيح في المؤمن، يعمل بروحه القدوس على تشديده وإرجاعه إلى مركزه الأول من خلال وسائط النعمة نفسها التي ذكرناها، وهي الصلاة وقراءة الكلمة وإخضاع النفس لأحكامها. وهنا لا بد من التأكيد على أن المؤمن المولود من الله لا يمكن أن يهلك مجددا ً أو يخسر خلاصه الممنوح له من الله بالنعمة على الاطلاق. "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله.  ليس من أعمال كيلا يفتخر أحد.  لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها." (رسالة أفسس ٢: ٨ - ١٠).

تؤكد كلمة الله أن المؤمن المخلص لا يدان مرة جديدة كما قال ربنا يسوع "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة بل قد إنتقل من الموت إلى الحياة" (إنجيل يوحنا ٥: ٢٤).  ويقول الرسول بولس بالوحي المقدس "اذا، لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع، السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رسالة رومية ٨: ١).  من الآية الاخيرة نفهم ان المؤمن لا يدان أبدا ً، شرط عدم سلوكه "بحسب الجسد". فهل يعني هذا أن المؤمن الذي يسلك بحسب الطبيعة القديمة يدان مرة جديدة أو يهلك مجددا في جهنم النار؟ الجواب هو لا. والرسول بولس يوضح هذه النقطة بقوله أن المؤمن السالك بحسب الجسد يتعرض للتأديب الإلهي على الأرض ولا يدان مع العالم. ويعطي الرسول مثالا ً على ذلك كل مؤمن يعيش حياة التساهل مع الشر ثم يشترك على مائدة الرب، فيقول " لأن الذي يأكل ويشرب بدون إستحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميز جسد الرب. من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى وكثيرون يرقدون. لأننا لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حكم علينا. ولكن إذ قد حكم علينا نؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم " (الرسالة الأولى إلى كورنثوس ١١: ٢٩ - ٣٢). والواضح من العبارة الاخيرة هو ان المؤمن يؤدب من الرب بسبب شروره، لأنه لا مجال لإدانته مرة جديدة، وذلك لإعتبارات تتعلق بأمانة الله وصدقه والقيمة الفائقة لعمل الصليب وفاعلية دم يسوع المسيح المطهر وسكن الروح القدس في المؤمنين. وفي سياق النص نفهم أن التأديب يتدرج في شدته من الضعف الى المرض ثم الى الموت الجسدي اذا لزم الامر.

وهنا نأتي الى الجواب المباشر على السؤال "ماذا يحدث لو سمحنا لطبيعتنا الخاطئة ان تتحكم فينا ؟" ففي حال تساهل المؤمن مع الشر فإن الروح القدس الذي فيه سيحزن، وبالتالي فإن علاقة المؤمن مع الله ستنقطع. والنتيجة الطبيعية أن المؤمن سيعاني من الضعف الروحي، بحيث يفتقد الى السلام والفرح وقوة الرجاء والبركات الروحية عموما ً. وهذا الضعف هو ما يشكل التأديب الالهي في هذه الحالة. ويمكن ان يستمر المؤمن على هذا الوضع من الضعف طوال حياته على الارض، اذا لم يدرك خطورة الحالة التي هو فيها، ويعود الى الله بالتوبة عن الشر، فيعيد الله مياه العلاقة الطيبة معه إلى مجاريها.

إلا أنه في حالات اخرى، يكون الشر الذي يتساهل معه المؤمن او يمارسه، ينال من مجد الله او يشوه قداسة الشهادة المسيحية لدى المحيطين بهذا المؤمن، فيسمح الله في هذا الحالة بمرض المؤمن لتأديبه، بهدف حمله على التوبة عن شره والعودة الى حياة القداسة. عن المرض الناتج عن التأديب يقول الرسول يعقوب "أمريض احد بينكم، فليدع شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب. وصلاة الايمان تشفي المريض، والرب يقيمه، وإن كان قد فعل خطية تغفر له. إعترفوا بعضكم لبعض بالزلات، وصلوا بعضكم لأجل بعض لكي تشفوا. طلبة البار تقتدر كثيرا ً في فعلها" ( رسالة يعقوب ٥ : ١٤ - ١٦). ففي هذه الآيات يتحدث يعقوب عن المرض في الحالة العادية، إذ يتم الشفاء منه نتيجة الصلاة وإستخدام العلاجات المادية كالزيت أو الأدوية. كما أنه يشير ضمنا ً إلى المرض نتيجة التأديب، والذي يتم الشفاء منه نتيجة الصلاة والاعتراف بالخطايا التي أدت الى التأديب بالمرض، لذلك يقول "وإن كان قد فعل خطية ( سببت له المرض كـتأديب ) تغفر له". والقسم الأخير من الآية يؤكد على أن الإعتراف بالزلات يؤدي الى الشفاء، من خلال الصلاة التي لها مقدرة كبيرة على العمل. هذا عن المرحلة الثانية من التأديب. إلا أنه في حالات معينة، إذ يستمر المؤمن في ممارسة الشر، بحيث لا تنفع معه المعالجات او التحذيرات او التأديبات، ويتفاقم الوضع الى درجة يمكن ان تصل بالمؤمن إلى التجديف على العزة الالهية، يتدخل الله حينها لوضع حد لهذه الحالة الميؤوس منها، فيأخذ المؤمن إليه عن طريق الموت الجسدي. وقد اختار الروح القدس كلمة "يرقدون" للحديث عن موت المؤمنين، حتى في حالة التأديب، ذلك أن الرقاد او النوم لا يشير في معناه إلى ما تشير إليه كلمة موت من معاني الدينونة والهلاك. ففي هذه المرحلة الاخيرة من التأديب يستخدم الله الموت لتطهير كنيسته من الشر عندما يتفاقم ولا تعود تنفع معه العلاجات.

 فما العمل لتفادي التأديب؟ تقول كلمة الرب "لذلك قوموا الأيادي المسترخية والركب المخلعة ، واصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة لكي لا يعتسف الأعرج بل بالحري يشفى "  (الرسالة إلى العبرانيين ١٢: ٤- ١٣). 

في الختام ، لا بد ان نشير الى أن التأديب الالهي يجريه الله بسبب محبته لأولاده المؤمنين، ولكي يحفظهم في دائرة القداسة التي صاروا إليها بنعمته كما هو مكتوب "يا إبني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخر إذا وبخك. لأن الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل إبن يقبله. إن كنتم تحتملون التأديب يعاملكم الله كالبنين. فأي إبن لا يؤدبه أبوه ... لأن اولئك أدبونا أياما ً قليلة حسب إستحسانهم. وأما هذا فلأجل المنفعة لكي نشترك في قداسته. ولكن كل تأديب في الحاضر لا يرى أنه للفرح بل للحزن. وأما اخيرا، فيعطي الذين يتدربون به ثمر بر للسلام .

أخيراً ان المواظبة على الصلاة وقراءة الكلمة المقدسة ، هي الضمانة الوحيدة لنحفظ الروح والنفس والجسد بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح ، له المجد الى ابد الآبدين . آمين