أعزائي الباحثين،
يوجد عدة انواع من التجارب . منها ما هو سلبي ومنها ما هو ايجابي .
لنبدأ بالتجارب الإيجابية الهادفة إلى إمتحان الإيمان، والتي أسمح لنفسي بأن أقول أنها تجارب مباركة ولازمة ينبغي أن لا نتذمر بسببها بل أن نشكر الله كثيرا من أجلها. الرسول يعقوب يقول عن هذه التجارب "أحسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة. عالمين أن إمتحان إيمانكم ينشىء صبرا ً. وأما الصبر فليكن له عمل تام لكي تكونوا تامين وكاملين غير ناقصين في شيء" (رسالة يعقوب ١ : ٢- ٤). فمثل هذه التجارب يسمح بها الله لكي ينقي إيماننا ويصفيه كما الذهب الذي يدخل في النار لتصفيته وتنقيته من الشوائب فيلمع أكثر. والغاية كما قرأنا هي الإنتقال بنا إلى حالة الكمال الروحي، الذي من خلاله نستطيع أن نمجد الله في حياة الطاعة الكاملة مهما كانت الظروف والصعوبات. وهذا ما يقول عنه الرسول بطرس "الذي به (أي الخلاص) تبتهجون مع أنكم الآن، إن كان يجب، تحزنون يسيرا ً بتجارب متنوعة، لكي تكون تزكية إيمانكم، وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بالنار، توجد للمدح والكرامة والمجد عند إستعلان يسوع المسيح" (رسالة بطرس الأولى ١: ٦ و٧).
ومثل هذه التجارب يعتبرها الرب مشاركة في آلامه. وعليه، فإن مجازاة عظيمة ستكون بانتظار من يحتملها كما يقول الرسول بطرس ايضا "أيها الأحباء لا تستغربوا البلوى المحرقة التي بينكم حادثة لأجل إمتحانكم، كأنه أصابكم أمر غريب. بل كما إشتركتم في آلام المسيح إفرحوا، لكي تفرحوا في إستعلان مجده أيضا ً مبتهجين. أن عيرتم بإسم المسيح فطوبى لكم لأن روح الله والمجد يحل عليكم" (رسالة بطرس الأولى ٤: ١٢ -١٦). وكما يقول الرسول يعقوب أيضا ً "طوبى للرجل الذي يحتمل التجربة. لأنه إذا تزكى ينال إكليل الحياة الذي وعد به الرب للذين يحبونه" (رسالة يعقوب ١ : ١٢).
ومن الضروري معرفة أن هذا النوع من التجارب يكون بحدود معينة لا يسمح فيها الرب بيأس المؤمن، كما يقول الرسول بولس "لم تصبكم تجربة إلا بشرية. ولكن الله امين الذي لا يدعكم تجربون فوق ما تستطيعون. بل سيجعل مع التجربة المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا" (رسالة كورنثوس الأولى ١٠: ١٣). كما أن هذا النوع من التجارب يمكن أن يكون وقتيا ً لأنه "يعلم الرب أن ينقذ الأتقياء من التجربة، ويحفظ الأثمة إلى يوم الدين معاقبين" (رسالة بطرس الثانية ٢: ٩). ومن الممكن أن يكون هذا النوع من التجارب مستمرا ً في حياة المؤمنين، إلا أن الله في المقابل يعطيهم نعمة متواصلة أيضا ً لإحتمالها بفرح كما في حالة الرسول بولس الذي قال عن تجربته في الجسد "ولئلا أرتفع بفرط الإعلانات أعطيت شوكة في الجسد ملاك الشيطان ليلطمني لئلا أرتفع. من جهة هذا تضرعت إلى الرب ثلاث مرات أن يفارقني، فقال لي تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل. فبكل سرور أفتخر بالحري في ضعفاتي لكي تحل علي قوة المسيح" (رسالة كورنثوس الثانية ١٢: ٧ - ٩).
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن أكثر ما يعزي المؤمنين في مثل هذه التجارب هو أنهم يتشبهون بربهم وسيدهم يسوع المسيح، الذي يقدّر إلى التمام قيمة آلام المؤمنين من أجل البر، لذلك فهو يتدخل لمعونتهم "لأنه في ما هو قد تألم مجربا ً يقدر أن يعين المجربين" (الرسالة إلى العبرانيين ٢: ١٨). وما على المؤمنين في هذه الحال إلا التسليم لمشيئة الله بالصلاة والثقة في الرب لنوال المعونة "لأن ليس لنا رئيس كهنة غير قادر أن يرثي لضعفاتنا، بل مجرب في كل شيء مثلنا، بلا خطية . فلنتقدم بثقة إلى عرش النعمة، لكي ننال رحمة ونجد نعمة عونا ً في حينه" (الرسالة إلى العبرانيين ٤: ١٥ و ١٦).
أما بالنسبة للتجارب السلبية ، فإننا نعلم أن الشيطان هو الذي يقف وراءها، وهدفه من تجربتنا هو نزع السلام من قلوبنا وتشويه شهادتنا المسيحية بهدف جلب العار على إسم المسيح المبارك الذي دعي علينا. فقد ورد عن الشيطان في الكتاب المقدس أنه المجرب كما في متى ٤ : ٣، حيث أنه تجرأ على تجربة المسيح في البرية، فكم بالحري يتجرأ على تجربة البشر، ولا سيما المؤمنين.
والشيطان يجرب المؤمنين بالشهوات كما هو مكتوب "لا يقل أحد إذا جرب أني أجرب من قبل الله، لأن الله غير مجرب بالشرور، وهو لا يجرب احدا ً. ولكن كل واحد يجرب إذا إنجذب وإنخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا ً" (رسالة يعقوب ١ : ١٣ - ١٥). كما أن الشيطان يجرب المؤمن بمحبة المال والغنى وتعظم المعيشة "وأما الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ وشهوات كثيرة غبية ومضرة تغرق الناس في العطب والهلاك. لأن محبة المال أصل لكل الشرور، الذي إذ إبتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة" (رسالة تيموثاوس الاولى ٦: ٩ و١٠).
أما كيف يتغلب المؤمن على التجارب ؟ فإليك ببعض النصائح :
أولا ً، الصلاة :
قال ربنا يسوع لتلاميذه في الليلة التي أُسلم فيها للصلب "إسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة، أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف" (متى ٢٦ : ٤١). فما من شيء يرعب الشيطان سوى رؤية مؤمن ساجد على قدميه ويصلي. فعندما تلوح بوادر التجربة، إرفع قلبك بالصلاة لكي يمنحك الله القوة اللازمة بروحه القدوس للتغلب على التجربة. وهو بالتأكيد سيفعل .
ثانيا ً، قراءة الكلمة:
لتكن كلمة الله هي غذاؤك اليومي. يقول الرسول بولس "لتسكن فيكم كلمة المسيح بغنى. وأنتم بكل حكمة معلمون ومنذرون بعضكم بعضا بمزامير وتسابيح وأغاني روحية بنعمة مترنمين في قلوبكم للرب" (رسالة كولوسي ٣ : ١٦). ففي وقت التجربة ستعمل كلمة الله عملها إذا كانت ساكنة بشكل راسخ في أذهاننا وقلوبنا، لكي ترشدنا إلى عمل ما هو صواب. لقد كانت إجابة الرب يسوع عند تجربته ثلاث مرات من قبل الشيطان "مكتوب... " (متى ٤ : ٤ و٧ و١٠). فقد كان المكتوب هو سلاح المسيح للنصرة على الشيطان وتجاربه. ونحن يمكننا أن نأخذ العبر من الذين وردت سيرهم في المكتوب لنتمثل بهم، كيوسف الذي هرب من أمام إمرأة سيده عندما حاولت أن تمارس الخطية معه. فاعكف على قراءة الكلمة لأن "كل الكتاب هو موحى به من الله، ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملا ً متأهبا ً لكل عمل صالح" (رسالة تيموثاوس الثانية ٣: ١٦ و١٧).
ثالثا ً، الهرب:
إن الوجود في ساحة التجربة لا بد وأن يؤثر علينا سلبا ً بسبب ضعف الجسد كما قال ربنا يسوع. لذلك فإن الهرب هو من الوسائل الناجحة جدا ً للإنتصار على التجارب كما فعل يوسف قديما ً. فالرسول بولس عندما تحدث عن "الذين يريدون أن يكونوا أغنياء فيسقطون في تجربة وفخ" أضاف "وأما أنت يا إنسان الله فأهرب من هذا. وإتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة" (رسالة تيموثاوس الاولى ٦: ١١). ويقول لتيموثاوس ايضا ً "أما الشهوات الشبابية فأهرب منها، وإتبع البر والإيمان والمحبة والسلام مع الذين يدعون الرب من قلب نقي" (رسالة تيموثاوس الثانية ٢: ٢٢). ويقول لأهل كورنثوس "أهربوا من الزنى" (رسالة كورنثوس الأولى ٦: ١٨). وأيضا ً "لذلك يا أحبائي أهربوا من عبادة الأوثان" (رسالة كورنثوس الأولى ١٠: ١٤). ففي حربنا الروحية لا بد أحيانا ً من الهرب، عندما نرى أن الأمور حولنا قد أصبحت تشكل خطرا ً علينا. والهرب يتم بمغادرة المكان المعرضين فيه للتجربة، او الإنشغال بعمل أمور مفيدة في المنزل أو الحديقة، أو ممارسة أي نوع من الهوايات أو الرياضة، أو الإشتراك في نشاطات جماعية مع أشخاص نرتاح لوجودهم وصداقتهم.
ولا يفوتنا أن نشير إلى ما قاله الرسول بولس "أخيرا ً يا إخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته. إلبسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس. فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع اجناد الشر الروحية في السماويات. من أجل ذلك إحملوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تقاوموا في اليوم الشرير، وبعد أن تتمموا كل شيء أن تثبتوا. فإثبتوا ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر، وحاذين أرجلكم بإستعداد إنجيل السلام، حاملين فوق الكل ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة، وخذوا خوذة الخلاص، وسيف الروح الذي هو كلمة الله، مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح، وساهرين لهذا بعينه بكل مواظبة وطلبة لاجل جميع القديسين" (رسالة افسس ٦ : ١٠ - ١٨). ولربنا يسوع المجد والكرامة إلى أبد الآبدين . آمين .