كيف يعلن الله عن ذاته؟
يتساءل الكثير من الناس اليوم عن الطريقة التي يمكن من خلالها أن يعرفوا من دون أدنى شكّ أنّ الكتاب المقدس هو كلمة الله التي لم يعبث بها أحد. وأنّ الإيمان الذي ينادي به المسيحيون اليوم هو من الله. ولسنا هنا بصدد شرح الإيمان المسيحي ولكن نودّ أن نوضِّح كيف يعلن الله عن ذاته للإنسان وكيف يستخدم الأحلام والرؤى كوسيلة لتتميم مشيئته في ذلك.
إعلان الله عن ذاته قبل مجيء المسيح:
خلق الله الإنسان وهو يحبّه ويريد سعادته، وعندما عصى آدم وحواء ربّهما ولم يصغيا لوصيّته إنفصلا عن حضرته وبدآ معًا رحلة الموت التي حذر الله منها. فالإنفصال عن الله يمثّل موتًا روحيًّا وجسديًّا وأبديًّا. الله لم ينقطع عن التواصُل مع الإنسان الذي خلقه وأحبّه. إرتبط الله مع الإنسان بعلاقات عميقة ودبّر له خِطّة لإنقاذه من أجرة عصيانه. وقدّم الله للإنسان فِكره ووحيه بقوّة من روحه القدوس. وترك الله للإنسان وصاياه وناموسه ووحيه المكتوب لنا في الكلمة المقدسة.
تكلّم الله مع إبراهيم وأظهر له ذاته مرّات عديدة في صور مختلفة (راجع هذه الظهورات في سفر التكوين ٧:١٢، ١:١٥، ١:١٧، ١:١٨-١٧). وقد تعامَل الله بالأحلام مع رئيس السقاة ورئيس الخبّازين المسجونين مع يوسف، وأعطى الله تفسيرَ هذه الأحلام ليوسف (تكوين ١:٤٠-٢٢). والشيء نفسه حدث مع فرعون إذ أعطاه الله حلمًا وأعطى يوسف تفسيره، ممّا أنقذ الأرض كلّها من مجاعة وهلاكٍ مقبليْن (أنظر سفر التكوين والإصحاح ٤١).
ثم أعلن الله عن ذاته في حديث مباشر مع موسى. قال الرب لموسى: ها أنا آتٍ إليك في ظلام السحاب ليسمع الشعب حينما أتكلم معك فيؤمنوا بك أَيضا ً إلى الأَبد (خروج ٩:١٩). وأكّد الله معيّته للشعب في البرية بسيره معهم بطريقة واضحة عندما سار معهم على شكل عمود سحاب يتقدّمهم وعمود نار ليهديهم (أنظر خروج ٢١:١٣-٢٢).
ووعَدَ الله أنّه في نهاية الأيام سيسكب روحه ويحقّق الإعلان المباشر بالرؤى والأحلام كما جاء في نبوّة يوئيل : ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ً ويرى شبابكم رؤى. وعلى العبيد أيضا ً وعلى الإماء أسكب روحي في تلك الايام" (يوئيل ٢: ٢٨ - ٢٩). وقد أنبأ الله شعبه وأعطى لأنبيائه إعلانات عديدة عن فِكره وخُطَطِهِ الإلهية، كما أعطاهم نبوءات عن الأزمنة القادمة، ومشيئته فيما يتعلّق بفداء الجنس البَشَري وأسرار ملكوت السموات، وكلّ ما يتعلّق بوصاياه ومعرفة طرقه والأعلان عن شخصه.
وقبل ولادة المسيح مباشرة، رأى الكاهن زكريّا ملاك الرب الذي وعده بولادة يوحنا المعمدان (يحيى) من أليصابات (أنظر لوقا١١:١)، وكذلك أتى الملاك السيدة العذراء مريم وأبلغها بأنها ستحبل بالرب يسوع (أنظر لوقا٢٦:١).
اعلان الله عن ذاته بمجيء المسيح:
مَهّد الله لمجيء يسوع المسيح بالرؤى والظهور المباشر. وقد ظهر ليوسف في حلم وأمره أن يهرب إلى مصر، وفي رؤيا أخرى أن يعود منها إلى أرض إسرائيل (متى ٢: ٢١ - ٢٣).
وخلال حياته على الأرض، أخذ الرب يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا إلى جبل حيث رأوا موسى وإيليا وسمعوا صوتًا من السماء (متى ١٧: ٣-٥).
وقد كان المسيح هو الإعلان الكامل عن الله فهو الكلمة المتجسِّد (أنظر يوحنا الفصل الأول)، وهو أمر أعلن الله عنه لأنبيائه مثل داود وإشعياء وأنبأ عن تفاصيل ميلاده وصلبه من التكوين حتى ملاخي.
إنّ قبولنا للمسيح من خلال الإيمان به ليحيا في أعماقنا، يهديِّئنا لفهم إرادة الله ومشيئته ويصيِّر فهمَنا للأمور الإلهية أيسر بكثير. فقد تواصل الله مع تلاميذ المسيح بطريقة مباشرة وبالرؤى وذلك لكي يشدّدهم وقت الاضطهاد والألم، ولكي يعلّمهم ويمدّهم بتوجيه مباشر ويقودهم حسب مشيئته، ويعلن لهم أمورًا ستحدث في المستقبل.
ويلاحَظ أنّ الله استخدم الرؤى قبل مجيء الرب يسوع وأثناء حياته وأيضًا بعد حلول الروح القدس على التلاميذ يوم الخمسين. وللمزيد من دراسة هذه الظاهرة يُرجَى الرجوع إلى الشواهد التالية في العهد الجديد:
• استفانوس يرى مجد الله (أعمال ٥٥:٧).
• كرنيليوس يرى ملاكا ً يحضره للقاء بطرس الذى سيعرفه بالخلاص (أعمال ٣:١٠).
• بطرس يرى رؤيا ويسمع صوت الله فيأخذ تعليما ً وأيضا ً توجيها للقاء كرنيليوس (أعمال ١١:١٠-١٧).
• الرب يرسل ملاكا ً لينقذ بطرس من السجن (أعمال ٧:١٢-١١).
• بولس الرسول تأتيه رؤية لكي يتوجه إلى مكدونية من آجل التبشير الخلاصى (أعمال ٩:١٦). كما يرى رؤى أخرى يسردها سفر أعمال الرسل (أنظر أعمال الرسل ٩:١٨ و١١:٢٣ و٢٣:٢٧).
• الرسول يوحنا يرى رؤيا يعلن فيها الله له ماذا سيكون فى نهاية الأزمان (رؤيا يوحنا إصحاح ١).
ربما تتساءل في حيرة وإلحاح: هل يمكنني أنا أيضًا أن أرى رؤيا لكي أؤمن وأعرف الحقّ؟
ليس من الضروري أن يعلن الله عن نفسه لكلّ شخص بالأحلام والرؤى. نلاحظ أن الشعب في القديم إختبر معجزاتٍ وأعمالاً خارقة عملها القدير معهم. ولكنّهم كثيرًا ما خانوه وعبدوا آلهة أخرى سواه! وحدث الشيء نفسه عندما تجسّد المسيح وصنع معجزات كثيرة وقوات مُدهشة ومع هذا لم يؤمن به كلّ مَن عاين هذه المعجزات، بل أنّ الكثيرين ازدادوا حنقًا وغضبًا عليه، وأعماهم تعصّبهم عن رؤية الحقّ. لذلك يستخدم الله الرؤى والأحلام لكي يُظهر ذاته للبشر ولكنها ليست بالضرورة الطريقة الوحيدة التي من خلالها سيؤمن كلّ إنسان.
لا يمكن للإنسان أن يفهم لغة الله ويسمع صوته من دون إعلان إلهي خاص. لابد بدايةً أن يمتلئ قلبك بالإيمان بالله لكي يُظهر لك ذاته. وعندما تؤمن به وتقبله في حياتك وتعطيه مكانةً كمَلِكٍ على كيانك سيُمكنك حينها أن تفهم طُرُقَ الله. وتأكّد أنّه سيُظهر ذاته لك بشكل لا يدَع أيّ مجالٍ للشك.