الحصول على علاقة حقيقيّة حيّة مع الله يتطلب إصلاح ما تدمّر من العلاقة بسبب خطية آدم والشيء الوحيد الذي قال الله انه سيقبله لإصلاح العلاقة هو قبول ما فعله المسيح الذي أرسله إلى العالم كي يصالح العالم به لنفسه. وقبول عمل المسيح الكفاري لمصالحة الإنسان مع الله هو ما تُسَمِّيه المسيحيّة باختبار الخلاص.
الخلاص يعني تحرُّر الإنسان من نير الخطيئة ونواله خلاص نفسه الأبدي المؤكّد من خلال إعلان الإيمان بيسوع المسيح إبن الله الوحيد الذي بذل نفسه لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا من الموت المحتّم.
وفي هذا يقول البشير متى "فستلد إبنا وتدعو إسمه يسوع لأنّه يخلّص شعبه من خطاياهم" (متى ٢١:١). ويقول البشير لوقا: "لا تخافوا. فها أنا أبشّركم بفرحٍ عظيم يكون لجميع الشعب: أنّه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلّص هو المسيح الرب" (لوقا ٢: ١٠ و١١، اقرأ أيضًا لوقا ٦٩:١-٧٧ ويوحنا ٤٢:٤).
سؤال: كيف أنال هذا الاختبار؟
إذا كنتُ أريد الخلاص عليّ أن أدرك أولاً أنّني خاطئ ولا أستطيع من خلال أي جهد شخصي إرضاء الله. والواقع أنّني ورثت خطيئة آدم وهي تستوجب العقاب فأصبحت بسببها مستوجبٌ العقاب، ولا يوجد لديَّ ما أقدّمه لله لكي أستحق غفران خطاياي لأن الله يقول: "الجميع زاغوا وفسدوا معًا. ليس مَن يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (رسالة رومية ١٢:٣).
غفران خطاياي مبني على الإيمان أن المسيح قد دفع أجرة هذه الخطايا على الصليب، لذا، فالإحتماء بدم المسيح يمنحني قبولاً أمام الله كما تعلمنا كلمته: "الذي لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا" (رسالة كولوسي ١: ١٤)، و "إذ كنتم أمواتا ً في الخطايا وغلف جسدكم، أحياكم معه، مسامحا ً لكم بجميع الخطايا، إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض، الذي كان ضدا ً لنا، وقد رفعه من الوسط مسمرا ً إياه بالصليب، إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارا ً، ظافرا ً بهم فيه" (رسالة كولوسي ١٣:٢-١٥).
ليس من عملٍ ما تحت الشمس يعطينا الحقّ أن ننال عفو الله عمّا اقترفناه من إثم، ولكنّ الإتكال الكامل على رحمته التي ظهرت في عمل المسيح الكفاري على الصليب لأجلنا يهبنا الحياة الجديدة في المسيح ويمحو آثامَنّا بلا عودة! وعن هذا تقول كلمة الرب: "لأنكم بالنعمة مخلصون، بالإيمان، وذلك ليس منكم. هو عطية الله. ليس من أعمالٍ كيلا يفتخر أحد. لأننا نحن عمله، مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة، قد سبق الله فأعدها لكي نسلك فيها" (رسالة أفسس ٨:٢-١٠).
الطبيعة الجديدة
- قبول المسيح في الحياة ربًّا ومُخلِّصًا، وإعلان الخضوع لقيادة الله وسيادته في الحياة هو برهان على الإيمان الحقيقي وشرط إلهي لتبعية المسيح. يقول البشير يوحنا: "...أما كلّ الذين قبلوه فقد أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله ..." (يوحنا ١: ١٢)، وذلك يعنى قبول الخضوع له وإعطاءه حقّ السيادة والربانيّة.
- تغيير الفكر والإتجاه، ونوال الحريّة من العبودية. لا يخطئ الإنسان الذي في المسيح كونه أسيرًا في قبضة الشيطان ومستعبدًا للخطيئة، ولكنّه يخطئ بسبب تهاونه مع الخطيئة وسماحِهِ لسيادة الجسد. ولكن الإنسان المولود من الله ينال قوة تحرير من سلطان الخطية ومن قبضة ابليس (أنظر يوحنا ٣٦:٨، ورسالة رومية ١٨:٦). ولا يخلص الإنسان بمحاولاته لإصلاح ذاته وتفكيره المستمرّ في الله والسعي للإقتراب منه بنيّة صالحة، بل عندما يسكن المسيح "روحيًّا" في كيان الإنسان ويملك على مشاعره وقراراته وكيانه. لأنّه بذلك يستطيع الرب يسوع المسيح أن يُحدِث تغييرًا ثوريًّا في الفكر والإتجاه، تغييرًا في الكلمات والأسلوب ويعطي رِقّة في المعاملة ويملأ الحياة بالرجاء والمحبة والسلام. هو وحده يعلِّمنا المسامحة ويهبنا السلام رغم أقسى الظروف التي قد تحيط بنا. يجب على الإنسان الذي قرّر تبعيّة المسيح وقبوله في الحياة أن يحيا بموجِب الطبيعة الجديدة والفِكر الجديد الذي حصل عليه كما تعلم كلمة الرب "لا تشاكِلوا هذا الدهر. بل تغيّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضيّة الكاملة" (رسالة رومية ٢:١٢).
- الحصول على طبيعة جديدة. هذه الطبيعة الجديدة لا تعني أنّ الإنسان سوف يصبح معصومًا عن الخطأ. ولكن سيصبح له خاصيّة حبّ القداسة والوجود في حضرة الله. القُدرة على فهم أمور الله غير المُعلَنَة، الفرح والشوق لطاعة وصايا الرب والشوق لسماع صوته في الكلمة المقدسة وهو سيشعر أنّه مسبيّ القلب عند التواصل مع الله. ومن صفات الطبيعة الجديدة الشعور بإنكسار الكيان والإصابة بالحزن عندما يَعصَى الإنسان إرشاد الله. ولابد أن يلاحظ الجميع تغيرات واضحة في حياة الإنسان المؤمن، فهو دائمًا مملوء سلامًا وفرحًا جمًّا. وهو قادر على الغفران وطول الأناة، ومحبته قادرة على التضحية في سبيل الآخرين كما تشرح لنا كلمة الرب: " إذا ً إن كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة.الأشياء العتيقة قد مضت.هوذا الكل قد صار جديدا ً. ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة" (رسالة كورنثوس الثانية ١٧:٥-١٨). إقرأ قصّة زكّا وكيف تغيّر عن محبة المال التي سيطرت عليه وأصبح إنسانًا مختلفًا تمامًا وأحبّ المسيح بإخلاص (لوقا ١٩) وقصة شاول الطرسوسي الذي تحوّل مِن مُضطهِد للكنيسة والمؤمنين إلى رسول للمسيح (أعمال الرسل ٩).
- التمتع بحقوق البنوية لله وبالمواعيد الإلهيّة. وهذه علاقة مميّزة جدًّا نقرأ عنها "...أمّا كلّ الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يوحنا ١: ١٢) . فليس كلّ إنسان هو ابن لله، لأنه سلطان خاص، وكأن لله عائلة إلهيّة يضمّ إليها أبناءه ويعطيهم ميزة هامة كأولاد للملك السماوي (أنظر رسالة رومية ٢٨:٨ و رسالة أفسس ١:٥و١٩:٢).
-الحصول على يقين الحياة الأبديّة.. لم يجعل السيد المسيح مصير تابعيه خاضعًا للظروف المتغيِّرة فمَن آمن بمغفرة الخطايا من خلال فداء المسيح له بالموت النيابي على الصليب ينال غفرانًا لآثامه من خلال دم المسيح المسفوك. وبهذا الفداء لنا ضمان نوال الحياة الأبديّة والإنتقال من الموت إلى الحياة. إنّ مَن آمن بالمسيح ولو مات فسيحيا. (أنظر يوحنا ١٦:٣ ورسالة كولوسي ١٢:١-١٣ ورسالة يوحنا الأولى ١٤:٣).
ونختم هذا الموضوع بسؤال تضعه أمامنا كلمة الرب: "لذلك يجب أن نتنبه أكثر إلى ما سمعنا لئلا نفوته. لأنه إن كانت الكلمة التي تكلم بها ملائكة قد صارت ثابتة وكل تعد ومعصية نال مجازاة عادلة، فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصا ً هذا مقداره؟ قد إبتدأ الرب بالتكلم به ثم تثبت لنا من الذين سمعوا شاهدا ً الله معهم بآيات وعجائب وقوات متنوعة ومواهب الروح القدس حسب إرادته" (الرسالة إلى العبرانيين ٢: ١-٤).